top of page
بحث

تحرير التجارة الخارجية واستنزاف غابات العالم

  • صورة الكاتب: Dr. Amal Khairy
    Dr. Amal Khairy
  • 28 فبراير 2013
  • 5 دقائق قراءة


رأينا جميعا كيف أدى التقدم الصناعي الهائل بفضل الثورة الصناعية إلى ضغط هائل على الموارد الطبيعية، غير أننا أغفلنا الدور المشبوه الذي قامت به التجارة الدولية أيضا في مزيد من إستنزاف الموارد الطبيعية ومن ثم إفساد البيئة؛ فبفضل الاتفاقات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف زادت معدلات التِّجَارَة الدولية لاثني عشر ضعفاً منذ عام 1960م. ومع دخول اتفاقية إنشاء منظمة التِّجَارَة العالمية عام 1995م حيز التنفيذ زادت معدلات التِّجَارَة الدولية. لذلك تضاعف الطلب على الأخشاب والغذاء والطاقة؛ ما أدى الى تغيرات جذرية في النظام الإيكولوجي وتدهور حاد فى الموارد الطبيعية، خاصة ما نشهده من استنزاف حاد للغابات.

زيادة الطلب على الأخشاب

تسبب طلب الدول الصناعية المتزايد على الأخشاب إلى مزيد من عمليات القطع الجائر للغابات. فوفق تقارير البنك الدولي، بلغ صافي متوسط إزالة الغابات العالمية 7,3 مليون هكتار سنويا في الفترة من 2000-2005. وفى نفس السياق، أشار تقرير للفاو إلى أن مساحة الغابات بلغت عام 2010 نحو 4,033 مليار هكتار، أي 31% من إجمالي مساحة اليابسة، وأن إزالة الغابات حدثت بمعدل 0,14% سنويا في الفترة من 2005-2010 بمتوسط 5,2 مليار هكتار سنويا، مما يتضح معه أن الخسارة السنوية الصافية للغابات توازي مساحة دولة كوستاريكا. وبين التقرير ذاته أنه في غضون 775 عام سيفقد العالم جميع غاباته لو استمر معدل الإزالة على نفس النحو، كما قدر تكاليف خسارة الاقتصاد العالمي من إزالة الغابات ما بين 2-4,5 تريليون دولار سنويا.

ويقدر الصندوق العالمي للطبيعة (المعروف أيضا باسم الصندوق العالمي للحياة البرية WWF) أن نحو 12 -15 مليون هكتار من الغابات تفقد سنويا، ونحو 20 ألف هكتار يوميا، بما يوازي مساحة 36 ملعب كرة قدم في الدقيقة الواحدة!.

ويرى ممثلو صناعة الأخشاب الأمريكية أن تحرير التجارة في قطاع الأخشاب وخفض التعريفة الجمركية على منتجاته أسفر عن زيادة سنوية بنحو 3-4% في الاستهلاك والطلب على هذه المنتجات، ومن ثم قطع المزيد من الغابات؛ فقد زادت صادرات منتجات الغابات من 52 مليار دولار إلى 106,36 مليار دولار في الفترة من 1998-2008، بما يوازي 0,7% من إجمالي تجارة السلع، وارتفعت أسعار هذه المنتجات بنسبة 26% خلال 2003-2008، وصار متوسط التعريفة المطبقة في عام 2007 في الدول النامية 0,6%، وفي الدول الأقل نموا 6,5%، وفي العالم كله 6,1%، وترتفع التعريفة إلى 10,2% في حالة منتجات الفلين والورق، وإلى 18,3% في الأثاث الخشبي.

وبمجرد توقيع اتفاقية النافتا زادت واردات الولايات المتحدة من الأخشاب والورق من المكسيك، ومع إجبار المنتجين المحليين على الحفاظ على الأسعار المنخفضة، اضطر المزارعون لقطع المزيد من الغابات.

الصين أيضا التي ظلت محافظة على رسوم جمركية مرتفعة على الواردات من المنتجات الخشبية اضطرت لخفضها مع انضمامها لمنظمة التجارة العالمية إلى 1,7% فقط، فأصبحت أكبر مستورد للأخشاب لتستحوذ على 17,5% من إجمالي الواردات العالمية من الأخشاب البالغة 112,45 مليار دولار.

كما تشهد غابات الأمازون في البرازيل أعلى معدل للإزالة في العالم، فأزالت أكثر من 600 ألف كيلو متر مربع من الغابات المطيرة منذ عام 1970، وزادت بنسبة 127% في الفترة من 2000-2010، وخسرت البرازيل فقط في الفترة من 2000- 2006 نحو 150 ألف كيلو متر مربع أي أكبر من مساحة دولة اليونان!، نتيجة زيادة الطلب العالمي على الأخشاب، وتشير الدراسات إلى أنه بحلول عام 2030 سيتم إزالة 40% من غابات الأمازون.

الأمر نفسه تكرر في اليابان، فالتخفيضات الجمركية التي بدأت فيها منذ عام 1960 أدت لواردات ضخمة من الأخشاب خلال الثلاثين عام الأخيرة تسببت في تدمير الغابات المعمرة، وبعد أن كانت اليابان تغطي 90% من احتياجاتها من الخشب محليا صارت تستورد 80% من الخارج، بعد أن خفضت التعريفات فيها إلى 1,14%. كذلك صدرت أستراليا وحدها أكثر من 6 مليون طن نشارة خشب لليابان سنويا، مما أدى لتقلص الغابات الاسترالية بنسبة 55%. كما ذهبت 95% من رقائق الخشب من غابات شيلي لصناعة لب الورق في اليابان. وعلى نفس المنوال، صدرت روسيا 6 مليون متر مكعب من الخشب لليابان من غابات التايغا وسوري.

تزايد الطلب على الغذاء

كما صاحب تحرير التجارة زيادة موازية في الطلب على المنتجات الزراعية ولا سيما اللحوم والزيوت؛ مما تسبب فى تحويل كثير من الغابات الى أراضى زراعية.

وقد نجم عن إزالة الحواجز الجمركية زيادة الطلب على اللحوم. فبين عامي 1990-2001 ارتفعت نسبة الواردات الأوروبية من منتجات اللحوم البرازيلية من 40 : 74%. وترعى 80% من الثروة الحيوانية فى البرازيل في أحراش غابات الأمازون. وبسبب تزايد الطلب على اللحوم، فإن 91% من الغابات التي أزيلت في البرازيل استخدمت في رعي الماشية.

ومن آثار تحرير التجارة تزايد الطلب على الزيوت النباتية، وهو أحد أسباب إزالة الغابات، خاصة في إندونيسيا وماليزيا وأمريكا الجنوبية والوسطى في ظل انخفاض التعريفة الجمركية على زيت النخيل إلى 5%، وتعد البرازيل ثاني أكبر منتج لفول الصويا بعد الولايات المتحدة ويستخدم كعلف للماشية ونظرا لارتفاع أسعاره يتجه المزارعون نحو غابات الأمازون لزراعته.

وتتحكم شركة كارجيل المتعددة الجنسيات في معظم تجارة فول الصويا وكذلك سلسلة مطاعم ماكدونالد التي تستخدم فول الصويا كعلف للماشية والدجاج. لذلك قامت شركة كارجيل بإزالة مساحات كبيرة من غابات الأمازون وتحويلها الى مزارع لفول الصويا. أضف الى ذلك أن خفض الإعانات الزراعية بنحو 362 مليار دولار سنويا قد أدى الى زيادة الأسعار العالمية للمنتجات الغذائية مما دفع المزارعين نحو قطع مزيد من الغابات. وتؤكد الدراسات أن 18,7% من إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري ناتج عن ازالة الغابات، وأن 10% من هذه الانبعاثات ناتج عن إزالة غابات الأمازون وحدها.




تدفق الاستثمارات الخارجية

وعلى نفس المنوال، عززت إتفاقيات التجارة الحرة من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في مجال التعدين وتجارة الأخشاب. فعلى سبيل المثال، استثمرت الشركات الأجنبية في قطع غابات الأمازون البرازيلية أكثر من 500 مليون دولار في عام 1996. وبالمثل، ترتب على عمليات التنقيب عن النفط والمعادن داخل الغابات في الدول النامية إزالة المزيد من الغابات.

وتبلغ مساحة الغابات في العالم العربي نحو 83,6 مليون هكتار أي نحو 5,9% من مجمل مساحته البالغة 14,154 مليون كيلو متر مربع، وهذه النسبة هي المتبقية من الغابات التي كانت تغطي أكثر من 50% من مساحة الوطن العربي.

وتوجد الغابات الحارة في جنوب السودان وجنوب الصومال وجنوب اليمن وهي المصدر الرئيسي لإنتاج الماهوجني والصمغ العربي، أما الغابات المعتدلة فتنتشر في جبال أطلس والشام وشمال العراق وهي المصدر الرئيسي للبلوط الفليني والأرز والصنوبر.

وفي الفترة من 1990: 2010 فقدت الجزائر نحو 8,750 هكتار أو 0,52% سنويا من غطائها الحرجي، كما فقدت مصر في الفترة نفسها نحو 1,300 هكتار أو 2,95% سنويا، وفقدت العراق نحو 1,050 هكتار أو 0,13% سنويا، وفقدت المغرب 4,100 هكتار أو 0,08% سنويا، وفقدت تونس 18,150 هكتار أو 2,82% سنويا، وكل ذلك مقترن بالتوسع في تحرير التجارة وما ترتب عليه من الاتجاه نحو إزالة الغابات، جذبا لمزيد من الاستثمارات الأجنبية.

فرغم الفوائد الناجمة عن تحرير التجارة من زيادة الصادرات وجلب الاستثمارات الأجنبية، يجب على صناع القرار مراعاة البعد البيئي وحقوق الأجيال القادمة فى الموارد الطبيعية عند صياغة قوانين الاستثمار وتوقيع اتفاقيات التجارة الخارجية.

المراجع:

- State of the World’s Forests 2012, Food and agriculture organization of the United Nations (FAO), Rome, 2012.

- Deforestation and Climate Change, Forest Area Key Facts & Carbon Emissions from Deforestation, wwf for a living planet.

- Irish Aid, Trade and Environment, Irish Aid Key Sheet, no.2, Irish Aid, Limerick, 2006.

- Tim Rice et.al, Trade Liberalization and its Impacts on Forests, Fern, November 2000.

- Vital Forest Graphics Stopping the Downswing?, Published by UNEP/GRID-Arendal, 2008.

- د. عايد راضي خنفر، الغابات ... الوقاية من التلوث، موقع جماعة الخط الأخضر البيئية الكويتية ، http://www.greenline.com.kw/ArticleDetails.aspx?tp=322

- كيفين واتكينز وآخرون، محاربة تَغَيُّر المُناخ: التضامن الإنساني في عالم منقسم، تقرير التنمية البشرية 2007-2008م، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نيويورك، 2007م.

Comentarios


bottom of page