top of page
بحث

العدالة التجارية بين الإسلام والنظم الوضعية (2-3)

  • صورة الكاتب: Dr. Amal Khairy
    Dr. Amal Khairy
  • 1 أبريل 2013
  • 8 دقائق قراءة

تاريخ التحديث: 18 يوليو 2019



د. أمل خيري

تعرضنا فى الحلقة السابقة من هذه الدراسة، لفكرة التجارة العادلة وأهم مبادئها ونتائجها الإيجابية. وإذا كان نظام التجارة العادلة قد نشأ بجهود غربية مسيحية بهدف إنصاف صغار المُنْتِجين وتحقيق العدالة التى تفتقدها التِّجَارَة الدولية فى ظل نظام تحرير التِّجَارَة، فإن الفكر الإسلامى تميز بالريادة على غيره من النظم الأخرى فى تأسيس تنظيم متكامل للعدالة التجارية الشاملة.

ولا يمكننا إغفال حقيقة انتشار تطبيق نظام التِّجَارَة العَادِلَة فى بلدان العالم الإسلامى على نطاق واسع؛ فمن بين سبع وخمسين دولة أعضاء فى منظمة التعاون الإسلامى، توجد خمسون دولة تضم منتجين معتمدين فى منظومة التِّجَارَة العَادِلَة، يعملون وفق معايير وقواعد ساهمت فى وضع أساسها منظمات دولية غير حكومية بعضها له طابع تبشيرى. من هنا كان لا بد من تقييم مبادئ وآليات تطبيق منظومة التجارة العادلة وفق الفكر الإسلامى.

التجارة العادلة فى الإسلام ذكرنا أن نظام التجارة العادلة يقوم على عشرة مبادئ أساسية، وسنحاول الآن عرضها فى إطار الفكر الإسلامى:

المبدأ الأول- خلق فرص للمنتجين المحرومين اقتصاديا: يعمل الإسلام على إيجاد فرص حقيقية للمنتجين، بالحثّ على السعى فى الأرض؛ فالتنمية الاقتصادية فى الإسلام مفهوم شامل لنواحى التعمير فى الحياة كافة، تبدأ بتنمية الإنسان ذاتيا، حتى يؤدى دوره فى تعمير الأرض، فيحيا الحياة الطيبة.

ومن جملة اهتمامات الدولة الإسلامية، خلق فرص عمل لصغار المنتجين تساهم فى خروجهم من حلقة الفقر؛ وذلك بتشجيع الأغنياء على استثمار أموالهم فى مشروعات إنتاجية توفر فرص عمل إنتاجية للفقراء. وقد ذكرت كتب التاريخ -على سبيل المثال- أن (الخيزران) أم الخليفة هارون الرشيد، حفرت نهرا بأرض العراق لاستثمار وإحياء الأرض الموات، والاستفادة منه فى مشروعات الرى الزراعية التى استفاد منها الفقراء، وقد سُمّى هذا النهر (المحدود) نسبة إلى طريقة تقسيم العمل المتبع فى إنشائه؛ إذ خُصص لكل قوم وحدة إنتاجية على قطعة أرض يحفرونها بأنفسهم. ويُروَى أن العائد المتحقق من رأس المال الذى استثمرته الخيزران كان يصل إلى ستة آلاف وستين ألف ألف درهم.

المبدأ الثانى- الشفافية والمساءلة: تتأسس التجارة فى الإسلام على الشفافية والوضوح؛ وذلك بمنح الحق كلا المتعاقدين فى الحصول على معلومات صادقة؛ إذ تمنع الشَّريعَة الإسلامية كل صور الغرر والجهالة التى تضر بالبائعين أو المستهلكين، وفى الوقت نفسه مدح النبى صلى الله عليه وسلم هذه الشفافية والصراحة فى التجارة بقوله: «... فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِى بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا».  ومن صور الاستغلال وعدم الشفافية التى حرّمها الإسلام، وجود الوسطاء المستغلين؛ لذا نهى الإسلام عن بيع الحاضر للباد، وهو السمسار (من سكان الحضر) الذى يستغل جهل ساكن البادية بسعر السوق ليبيعه سلعة -لا يملكها- بسعر أعلى، فيربح فضل السعرين، وهو ما قامت من أجله حركة التجارة العَادِلَة، بتيسير وصول المنتِج بنفسه إلى الأسواق دون الوسيط المستغِل.

وفيما يتعلق بالمساءلة مبدأً من مبادئ التجارة العَادِلَة، فقد قرره الإسلام حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...»، ومن ثَمَّ فإن أى منظمة تمثل صغار المُنْتِجين تكون مسئولة فى الإسلام عن العاملين فيها.

المبدأ الثالث- تشجيع الوفاء بالالتزامات التجارية: يحضُ الإسلام الناس على الوفاء بالتزاماتهم وتعاقداتهم، فيقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّى الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ» (المائدة: 1). 

ومن العقود التى أمر الله بالوفاء بها،عقد البيع.وأكد النبى صلى الله عليه وسلم الوفاء بالالتزامات فى قوله: «المسلمون عند شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا أو شرطا أحل حراما».

المبدأ الرابع- دفع سعر عادل Fair Price: يُعد التراضى هو الأصل فى التجارة فى الإسلام لقوله تعالى: «إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ». والسعر العادل فحواه رضاء البائع والمشترى عن السعر، فلا يشعر أحدهما بالغُبْن، أى أن السعر العادل فى الإسلام هو الذى لا يظلم أيا من الطرفين (المنتِج والمستهلك).

المبدأ الخامس- تنظيم عمالة الأطفال ومواجهة العمل الجبرى: حذرت الشريعة الإسلامية من استغلال الصغار وتشغيلهم دون سن معينة. وقد منع بعض الفقهاء كالبغوى وغيره تشغيل الأطفال؛ فمنع الولى من إلزام الطفل بالعمل، سواء كان هذا الولى أبا أو وصيا أو قَيِّمًا، ولو رأى فى ذلك المصلحة.

كما تقوم القاعدة الإسلامية العامة على أنه لا عمل بغير أجر؛ فقد حرّم الإسلام السّخرة، أو ما يطلق عليه فى المفهوم المعاصر (العمل الجبرى). 

المبدأ السادس- عدم التمييز والعدالة النوعية والحرية النقابية: يُقصد بعدم التمييز والعدالة النوعية، ألا تتضمن التجارة نوعا من التمييز بين المنتجين، على أساس النوع أو اللون أو الدين أو الأصل العرقى... وفى الإسلام نرى هذه العدالة فى أزهى صورها، فى قوله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الوداع: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد. ألا لا فضل لعربى على أعجمى، ولا لعجمى على عربى، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى»؛ إذ حثَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، على محاربة كافة أنواع الظلم والتمييز. 

كما تشترط منظومة التجارة العادلة عدم التمييز ضد المرأة، وهو ما يتفق مع قواعد الإسلام؛ إذ يجوز للمرأة فى الإسلام أن تشارك فى العمل بما يتناسب مع طاقتها، وحسب الضرورة التى تقدّر بقدرها، ووفق الضوابط التى أقرتها الشريعة الإسلامية؛ لقوله تعالى: «لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ». وهذه الآية تقرر أن للمرأة ذمتها المالية المستقلة عن الرجل.

وليس أدل على تشجيع المساواة بين الجنسين فى مجال التجارة، من اتجار النبى صلى الله عليه وسلم فى مال السيدة خديجة قبل البعثة، وبعد زواجه بها لم يمنعها من المتاجرة بمالها. أما بالنسبة إلى حرية العمل النقابى، فلا يمنع الإسلام العمال من ممارسة حرية تكوين الجمعيات والنقابات للحفاظ على حقوقهم، وزيادة قدرتهم التفاوضية للحصول على أسعار عادلة. وقد شهد التاريخ الإسلامى نشأة الجمعيات الخاصة بأرباب الحرف والمهن، خاصة فى العصور الوسطى، وكانت عبارة عن طائفة من الصنّاع اتحدوا معا من أجل بلوغ غاياتهم من الحماية والتحكم بالسوق المحلية.‏ وقد أشار الجاحظ إلى أن هذه الطوائف كانت تؤدى دور الضمان الاجتماعى لأفرادها بقوله: «إن رجلا من القصابين (الجزارين) يكون فى سوقه، فيتلف ما فى يديه، فيخلى له القصابون سوقهم يوما ويجعلون له أرباحهم، فيكون بربحها منفردا فيسدون بذلك خلته، ويجبرون من كسره».

المبدأ السابع- توفير ظروف عمل آمنة للعمال: كان الإسلام سباقا إلى توفير ظروف عمل آمنة للعمال، من خلال التنظيم الكامل لحقوقهم المادية والمعنوية، وتوفير ظروف عمل كريمة ولائقة للعمال. ومن أهم هذه الحقوق حق العامل فى الأجر العادل، ومن أجل ذلك فرض الإسلام على صاحب العمل أن يحدد للعامل أجره قبل البدء فى العمل؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من استأجر أجيرا فَلْيُسَمِّ له أجرته». ولا يكتفى الإسلام بتقرير حق العامل فى حصوله على الأجر العادل فحسب، بل يدعو إلى التعجيل بأدائه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه». ويعتمد تحديد الأجر فى الإسلام على حد الكفاية للعامل ولمن يعولهم؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من ولى لنا عملا وليس له منزل، فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليست له دابة، فليتخذ دابة. ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غالٌّ».

كما حرص الإسلام على كرامة العامل؛ فأكد ضرورة أن يسود الاحترام العلاقة الإنسانية بين العامل وصاحب العمل، حتى إنه رفع هذه العلاقة إلى درجة الأخوة، ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إخوانكم خَوَلُكُم جعلهم الله تحت أيديكم؛ فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليُلبسه مما يلبس ولا تُكلّفوهم ما يغلبهم فإن كلّفتموهم فأعينوهم». 

المبدأ الثامن- بناء قدرات وإمكانات المُنْتِجين: يهتم الإسلام بتعليم العمال والمُنْتِجين، وتطوير قدراتهم ومهاراتهم. ويتجلى ذلك فى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الشهير، مع الأنصارى الذى أتاه يسأله العطاء، فوجهه النبى صلى الله عليه وسلم إلى العمل؛ إذ طلب منه أن يأتيه بما فى بيته من متاع فباعه بدرهمين، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصارى، وقال: «اشْتَرِ بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشْتَرِ بِالآخر قَدُومًا فأتنى به»، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: «اذهب فاحتطِب وبِعْ، ولا أرينّك خمسة عشر يوما»، فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما؛ ففى هذا الموقف لم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بنصيحة الرجل بالبحث عن عمل، بل وجّهه لشراء آلة حرفته، وشدها بيده الشريفة، وتابع الرجل حتى تأكد له كسبُه.

المبدأ التاسع- تشجيع التجارة العادلة:  تقوم التجارة فى الإسلام على العدل؛ لذا تَحْرُم إذا كان فيها استغلال لأى طبقة من طبقات المجتمع، مستهلكين كانوا أو تجارا، ومن أجل ذلك أباحت الشريعة الإسلامية التجارة، وبينت أنواعها، وشروط صحتها، والأساليب المشروعة لتبادل السلع التجارية، ومنعت التعامل بما يضر الناس.

المبدأ العاشر- تعزيز البيئة المستدامة: تعد المحافظة على عناصر النظام البيئى الطبيعى، الذى سخره الله للإنسان فرض عين؛ إذ إن كل ما فى الكون يعد من أنعم الله. وقد توعد الله من يبدل أنعمه بالعقاب فى الدنيا والآخرة، قال تعالى: «وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».

ويمكن تقسيم العناية الإسلامية بالمحافظة على البيئة إلى عناية الإعمار والإحياء، وعناية الحماية وعدم الإفساد؛ فقد جعل الإسلام إحياء الأراضى المهملة من أسباب التملّك الشرعى؛ فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق»، كما نهى الإسلام عن الإفساد فى الأرض، كقوله تعالى: «وَلاَ تُفْسِدُوا فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا»، وغير ذلك من الآيات الكريمة، وكلها تدعو إلى الحفاظ على البيئة وعدم إفسادها بالتلويث والتدمير وإهدار الموارد.

ويرى البعض أن ما نراه فى عالمنا المعاصر من مشكلات بيئية، ما هو إلا جانب من العقاب الذى توعّد الله به المفسدين فى الأرض، الذين يعملون على تدمير عناصر النظام البيئى، لقوله تعالى: «ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ».

من هنا يبدو أن المبادئ النظرية التى تستند إليها منظومة التجارة العادلة، تتلاقى -فى خطوطها العريضة- مع مبادئ التجارة فى الفكر الاقتصادى الإسلامى، ومع ذلك فإنه لا بد من تقويم آليات تطبيقها فى ضوء الفكر الإسلامى.

التمويل الإنتاجى بين التجارة العادلة والإسلام تؤدى منظمات التجارة العادلة دورا هاما فى تمويل المُنْتِجين. وبمقارنة نظام التمويل الإنتاجى فى التجارة العادلة، وصيغ التمويل الإنتاجى المعتبرة شرعا فى الإسلام، نجد أن البون شاسع بينهما؛ إذ ينبنى التمويل الإنتاجى فى منظومة التجارة العادلة على المداينة الربوية، باشتراطه على المشترى دفع ما لا يقل عن 60% من إجمالى ثمن السلع مقدما للمنتِج، فى صورة قرض (إجبارى) ليتمكن من تغطية تكاليف الإنتاج الزراعى أو اليدوى، مقابل فائدة شهرية بسيطة شاملة الرسوم الإدارية يدفعها المنتج، بعد اتفاقه مع المشترى على مقدارها. وبعد انتهاء المنتِج من حصاد إنتاجه الزراعى، أو الفراغ من منتجاته الحِرفية، يحصل المشترى على المحصول أو المنتَج اليدوى، ويدفع باقى الثمن المتفق عليه.  يتبين من ذلك أن التمويل الإنتاجى داخل منظومة التجارة العادلة يتضمن مخالفتين شرعيتين تتمثلان فيما يلى: 1-    قيام صيغة هذا التمويل على الربا الصريح: فهذا العقد ينطوى على الربا المحرم شرعا باعتبار ما يدفعه المشترى مقدما من قبيل القرض الإجبارى الذى يدفع المنتِج مقابله فائدة محددة سلفا، وهذا مدار الاعتراض على هذه الصيغة، التى يُحرّمها الإسلام جملة وتفصيلا، لقوله تعالى: «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا»، سواء كانت قروضا استهلاكية أو إنتاجية. 2-    تباين آراء الفقهاء حول مسألة تأجيل جزء من الثمن إلى ما بعد تسليم المحاصيل الزراعية: ويعود هذا التباين إلى الاختلاف حول تكييف صورة عقد التمويل الإنتاجى للسلع الزراعية فى حالة عقود التجارة العادلة، وما إذا كان عقد توريد يجوز تأجيل جزء من الثمن فيه، أم عقد سَلَم، يُشترط تعجيل كامل الثمن فيه؛ فهناك من رأى جواز تأجيل جزء من الثمن؛ لما فيه من تيسير على الناس ورفع للحرج والمشقة التى قد تلحق بهم فى حالة الجمود والركود الاقتصادى، وهناك من رأى عدم جواز تأجيل جزء من الثمن، باعتبار أن بيع المحاصيل الزراعية قبل نضجها غير جائز على الإطلاق، إلا فى حالة واحدة فقط؛ هى: عقد السَّلَم «بيع شىء موصوف فى الذمة مؤجل، بثمن مقبوض بمجلس العقد». ويُشترط فى السَّلَم عدة شروط لتحقيق مقتضاه، من أهمها: تعجيل الثمن (رأس مال السَّلَم)، وهو ما تفتقده عقود التجارة العادلة التى تؤجل السلعة وجزءا من الثمن أيضا، ومن ثَم تصبح هذه الصورة من العقد باطلة، إلا إذا عجّل المشترى الثمن بكامله عند العقد. وقد رجحنا الرأى الثانى لقوة حججه، وافتقار الرأى الأول إلى أدلة شرعية، إضافة إلى العديد من صيغ التمويل الإسلامى المتنوعة التى فيها الغَنَاء عن اللجوء إلى هذه الصورة التى تحوم حولها الشبهات.

فهناك صيغ التمويل بالمشاركة، ومنها المشاركة الثابتة، والمشاركة المتناقصة، والمضاربة، وهناك صيغ التمويل بعقود التبرع، ومن أهمها الوقف، والقرض الحسن، وهناك صيغ التمويل بعقود المعاوضات، ومنها المرابحة، والسَّلَم والاستصناع والمُزارعة. ويعكس هذا التنوع بدائل عدة متاحة، يختار منها المنتِج الصغير ما يتلاءم مع أهدافه، ومع ظروفه، ومع طبيعة النشاط الذى يؤديه، كما يمكن الجمع بين أكثر من صيغة لتمويل المشروع نفسه، أو الاعتماد على صيغة واحدة؛ وذلك تبعا لمتطلبات كل مشروع ومستلزماته.

يتبين مما سبق أن الإسلام قد قدم منظومة متكاملة للعدالة التجارية، بداية من المبادئ التى تستند إليها، ومرورا بتحديد السعر العادل، وانتهاء بصيغ تمويل المنتجين فيها، وهو ما ينقلنا إلى محاولة تأصيل نموذج مقترح لتطبيق العدالة التجارية وفق المنظور الإسلامى فى الحلقة القادة والأخيرة من هذه الدراسة.

Comments


bottom of page