top of page
بحث

غسيل الأموال الرقمي عبر ألعاب الفيديو

  • صورة الكاتب: Dr. Amal Khairy
    Dr. Amal Khairy
  • 30 أبريل 2019
  • 13 دقائق قراءة

تاريخ التحديث: 18 يوليو 2019



د. أمل خيري

لا تزال عمليات غسيل الأموال ظاهرة دولية متنامية، وتتراوح التقديرات الحالية لمقدار الأموال التي يتم غسيلها في جميع أنحاء العالم بين 500 مليار دولار و1 تريليون دولار، وهي من أهم معوقات النمو الاقتصادي لما لها من آثار كارثية على الاقتصاد العالمي، وخاصة على الاقتصادات النامية الضعيفة([1]).

ويعتقد خبراء الاقتصاد أن غسيل الأموال هو محور الارتكاز للجريمة المنظمة (المافيا)؛ ومن ثم فإن القضاء على غسيل الأموال معناه ضمنيًا القضاء على المافيا([2]).

أتاحت التطورات السريعة في المعلومات المالية والتكنولوجيا والاتصالات للأموال التحرك في أي مكان في العالم بسرعة وسهولة، كما وفرت وسائل أكثر تنوعًا لممارسة عمليات غسيل الأموال بالطرق الرقمية ومن بينها استخدام العملات المشفرة وألعاب الحظ عبر الإنترنت وألعاب الفيديو، مما يجعل مهمة مكافحة غسيل الأموال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

تتناول هذه الدراسة ظاهرة غسيل الأموال عبر ألعاب الفيديو، فتبدأ أولًا باستعراض سريع للإطار النظري لغسيل الأموال من حيث التعريف وأهم التشريعات والجهود الدولية لمحاربة غسيل الأموال، والآثار الاقتصادية المترتبة على غسيل الأموال. تنتقل الدراسة بعد ذلك إلى التعريف بالأشكال الجديدة لغسيل الأموال في العالم الرقمي. ثم يعرض المحور الثالث لظاهرة غسيل الأموال عبر ألعاب الفيديو Video Games، فيبدأ باستعراض أهم الأرقام والإحصاءات حول صناعة ألعاب الفيديو، تمهيدًا للتعرف على أبرز أساليب غسيل الأموال عبر هذه الألعاب.

المحور الأول- الإطار النظري لعمليات غسيل الأموال:

أولًا- تعريف غسيل الأموال:

غسيل الأموال هو جريمة اقتصادية يتم من خلالها جمع مبالغ كبيرة من الأموال الناتجة عن نشاط إجرامي - مثل الاتجار بالمخدرات أو الغش والرشوة والاختلاس والدعارة وتهريب الآثار وغيرها – وإخفاء أصولها غير المشروعة في نشاط قانوني، أي محاولة إضفاء شرعية قانونية عليها من خلال سلسلة معقدة من التحويلات المصرفية أو المعاملات التجارية([3]).

وتمر عمليات غسيل الأموال بثلاث مراحل هي:

1- الإحلال: حيث يتخلص المجرمون من أموالهم المشبوهة بتحويلها إلى ودائع مصرفية في البنوك.

2- التغطية: حيث يتم تجميع هذه الأموال في استثمارات قانونية تضمن لهم التمويه والتغطية للأعمال غير المشروعة.

3- الدمج: حيث يتم خلط الأموال غير الشرعية مع الأخرى الشرعية؛ مما يصعب معه التمييز بينهما([4]).

ولا يشترط أن تمر عمليات غسيل الأموال بهذه المراحل بل قد تتم من خلال مرحلة واحدة فقط. وتتعدد الأساليب التقليدية التي يتم بها غسيل الأموال من بينها استغلال المصارف في إيداع وتحويل وإعادة إقراض هذه الأموال، كما يمكن غسيل الأموال عبر بطاقات الائتمان والبطاقات الذكية. وفي المجال التجاري هناك العديد من العمليات التي يتم من خلالها غسيل الأموال سواء في الصفقات الحقيقية أو الوهمية أو تهريب العملة أو الشركات الوهمية، وأيضًا تعد ألعاب القمار (الكازينو) من أهم الأساليب التي يلجأ إليها المجرمون لغسيل الأموال.

ونتيجة للتطورات الحديثة أصبحت عمليات غسيل الأموال تتم عبر العالم الرقمي بواسطة بنوك الإنترنت والنقود الالكترونية والمشفرة وألعاب الإنترنت وغيرها من الوسائل الحديثة([5]).

ويطلق مصطلح غسيل الأموال على أي عمليات متعددة الجنسيات معقدة تهدف إلى إخفاء الأصول الإجرامية للأموال المكتسبة حتى تبدو الممتلكات شرعية، أو أي نشاط يخفي أو يتستر أو يتصرف في عائدات أي جريمة، مهما كان حجم المبالغ ضئيلاً([6]).

ثانيًا- الاتفاقيات والجهود الدولية لمكافحة غسيل الأموال:

تعددت الاتفاقيات والجهود الدولية لمكافحة غسيل الأموال ومن بينها:

1) اتفاقية فيينا عام 1988:

اعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية فيينا لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية عام 1988، وقد دعت الاتفاقية مختلف الدول إلى تجريم غسيل الأموال، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ عام 1990([7]).

2) اتفاقية باليرمو 2000:

اعتمدت الأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، وقد ألزمت الاتفاقية البلدان الموقعة عليها بتجريم غسيل الأموال، ووضع لوائح رادعة لجميع أشكال غسيل الأموال. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2003.

3) فريق العمل المعني بالتدابير المالية بشأن مكافحة غسيل الأموال:

قامت مجموعة الدول الصناعية السبع بإنشاء هيئة مشتركة بين الحكومات بهدف مكافحة غسيل الأموال عام 1989، وتتشكل عضوية الفريق حاليًا من 31 دولة. وقام الفريق عام 1990م بإصدار أربعين توصية تتعلق بمكافحة غسيل الأموال.

4) البرنامج العالمي لمكافحة غسيل الأموال:

وهو عبارة عن مشروع بحوث ومساعدة يتبع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ويستهدف زيادة فعالية العمل الدولي لمكافحة غسيل الأموال من خلال تقديم الخبرة الفنية والمشورة والتدريب للدول الأعضاء([8]).

5) إعلان وولفسبيرج 2000:

وهو تجمع دولي يضم أكبر بنوك القطاع الخاص في العالم، قام بوضع مجموعة من القواعد والإجراءات للحيلولة دون استغلال عصابات غسيل الأموال للأنظمة المصرفية.

6) لجنة بازل المتعلقة بالإشراف البنكي 1988:

تأسست عام 1984 من محافظي البنوك المركزية لعشر دول في أوروبا وآسيا وأمريكا بهدف منع استخدام النظام المصرفي في غسيل الأموال ذات الأصل الإجرامي.

7) اتفاقية مجلس أورييال ستراسبورج 1990:

وقعت الاتفاقية الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي، وهي تتعلق بمكافحة غسيل الأموال والإجراءات التي يجب اتباعها في هذا الصدد.

8) التشريع النموذجي لغسيل الأموال 1999:

صدر هذا التشريع عن الأمم المتحدة لبرنامج غسيل الأموال، وحدد مجموعة من القواعد الارشادية لتضمين التشريعات الوطنية قوانين لمكافحة عمليات غسيل الأموال ([9]).

ثالثًا- الآثار الاقتصادية لغسيل الأموال:

يترتب على ازدياد عمليات غسيل الأموال آثار اقتصادية واجتماعية عديدة خاصًة في الدول النامية، من بينها هروب الأموال واستقطاعها من الدخل القومي، ومن ثم حرمان الاقتصاد الوطني من الاستثمار والانتفاع بها، كما يترتب على هذه الأنشطة الإجرامية زيادة معدلات الاستهلاك لدى عصابات الاحتيال بشكل يفوق معدلات الادخار مما يؤدي إلى خلل اقتصادي. كما يسهم غسيل الأموال في عدم عدالة توزيع الدخل القومي؛ إذ تحصل فئات إجرامية على دخول غير مشروعة. ويتيح غسيل الأموال التهرب من الضرائب وبالتالي حرمان الدولة من الإيرادات، وكل هذا يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة وتشويه صورة الأسواق وضعف قيمة العملة الوطنية([10]).

المحور الثاني- الأساليب الرقمية الحديثة لغسيل الأموال:

أصبحت عمليات غسيل الأموال أكثر انتشارًا في البيئة الرقمية، وتزداد خطورتها في صعوبة تعقبها والتعرف عليها. فلم تعد الأساليب التقليدية لإخفاء الأموال غير المشروعة وحدها في هذا المضمار، فقد ظهرت مجموعة جديدة من الجرائم عبر الإنترنت يتم من خلالها استغلال المدفوعات الرقمية من أجل تسهيل غسيل الأموال([11]). وتشير بعض التقديرات إلى أن عائدات الجرائم الإلكترونية تشكل الآن ما بين 4 إلى 10٪ من إجمالي الأموال العالمية التي يتم غسلها([12]).

أولًا- غسيل المعاملات (غسيل الأموال الإلكتروني):

يعد الوجه الجديد لغسيل الأموال، وهو أكثر طرق غسيل الأموال شيوعًا؛ حيث يستخدم نشاط تجاري غير معروف عبر الإنترنت بيانات اعتماد الدفع الخاصة بالتاجر المعتمد لمعالجة معاملات غير شرعية. كما يستخدم المحتالون بطاقات ائتمان مسروقة لغسيل الأموال غير المشروعة من خلال مواقع الإنترنت المشبوهة والوهمية.

وتشير بعض التقديرات إلى أن غسيل المعاملات من أجل المبيعات عبر الإنترنت من المنتجات والخدمات يصل إلى أكثر من 200 مليار دولار سنويًا في الولايات المتحدة وحدها، من بينها 6 مليارات دولار تشمل البضائع غير المشروعة([13]).

ويتم استخدام أنظمة الدفع مثل PayPal، Skrill، Dwoll، Venmo، Xoom، Popmoney، Square Cash، وأنظمة الدفع بواسطة الهاتف المحمول، مثل M-Pesa في كينيا، والتي توفر أيضًا فرصًا للاستخدام غير المشروع من قِبل عصابات غسيل الأموال([14]).

ثانيًا- تحويل الأموال الكترونيًا:

يوجد العديد من الوسائل المتبعة في إخفاء الأموال غير المشروعة من خلال تحويل الأموال الكترونيًا عبر ما يطلق عليه سندات اليورو التي يتم تبادلها عبر الإنترنت، كما يتم تحويل الأموال عبر عمليات الشراء بالنقود الالكترونية وهي لا تحتاج تقديم كثير من المعلومات كما يحدث مع بطاقات الائتمان على سبيل المثال؛ مما يسهل معه إخفاء المجرمين لهوياتهم وأرباحهم.

وتستخدم بعض العصابات الإجرامية البطاقات الذكية والتي تشبه النقود الالكترونية، إلا إنه يمكن من خلالها تحويل الأموال من بطاقة لأخرى دون الحاجة للكشف عن الهوية([15]).

ثالثًا- العملات الافتراضية (المشفرة):

وتعد العملات الافتراضية مجال آخر واسع للاحتيال وغسيل الأموال. وقد أصبحت العملات المشفرة مثل Bitcoin وغيرها من بين المساهمين الفاعلين في كل من الاقتصاد الشرعي وغير الشرعي. وتمثل أجهزة الصراف الآلي الخاصة بالبيتكوين واحدة من أكثر الطرق شيوعًا والتي يتم فيها استخدام البيتكوين لغسل الأموال، وتستخدم على نطاق واسع من قبل تجار المخدرات لتحويل أرباحهم النقدية إلى أرباح تتبع الأشكال الرقمية.

ومن الأسباب التي تجعل العملات المشفرة وسيلة مناسبة لغسيل الأموال أنها طرق رقمية، وبالتالي يسهل تحويلها للحصول على عائدات جرائم الإنترنت ونقلها. ومع ذلك لا يزال غسيل الأموال من خلال العملات المشفرة قليل نسبيًا مقارنة بغسيل الأموال عبر الطرق التقليدية([16]).

رابعًا- الألعاب عبر الإنترنت:

أصبحت الألعاب عبر الإنترنت أحد الوسائل المتبعة في غسيل الأموال، فيقوم المحتالون بإيداع مبالغ كبيرة من الأموال ومحاولة سحب الأموال إلى حساب آخر. تتيح الألعاب الإلكترونية للأشخاص التعامل بمبالغ صغيرة نسبيًا لكل حساب / معاملة، لذلك تحتاج عمليات غسيل الأموال الكثير من الوقت لنقل كمية كبيرة من الأموال([17]).

خامسًا- المقامرة عبر الإنترنت:

تنشط عصابات غسيل الأموال من خلال المقامرة عبر الإنترنت (ألعاب الحظ/ الكازينو)، حيث أضحت مقرات هذه الشركات القائمة على هذه المواقع "واحات للتهرب الضريبي والقانوني"؛ إذ يسهل التلاعب بهذه الأموال وتداولها، في الوقت الذي يتعذر فيه التحقق من مصدر هذه الأموال.

وقد تم رصد تدفق هائل للأموال بين إيطاليا وألمانيا، مما دفع السلطات المختصة إلى فتح استجواب علني في نوفمبر 2018، واعترف 45 من شهود المافيا في جلسة الاستماع بأن ألمانيا أحد البلاد التي تقوم فيها المافيا بغسل أموالها، خاصة من خلال ألعاب الحظ وغيرها في الإنترنت([18]).

تنطوي المقامرة على حجم ضخم من المعاملات والتدفقات النقدية، وهي أمور ضرورية لإخفاء غسيل الأموال، ولا تشتمل المقامرة على منتج مادي (مثل العملة الورقية)، مما يجعل تعقيد تدفق الأموال وإثبات معدل دورانها الفعلي مقابل التداول أكثر تعقيدًا، وتعتبر أرباح المقامرة معفاة من الضرائب في العديد من الدول، إضافة إلى انخفاض التكاليف اللازمة لغسيل الأموال. كل هذه الأسباب تدفع لزيادة غسيل الأموال عبر مواقع المقامرة عبر الإنترنت([19]).

المحور الثالث- غسيل الأموال عبر ألعاب الفيديو:

أولًا- نظرة عامة على صناعة ألعاب الفيديو:

قدرت قيمة سوق ألعاب الفيديو العالمية بنحو 78.61 مليار دولار أمريكي في عام 2017، ومن المتوقع أن يصل حجم سوق ألعاب الفيديو إلى أكثر من 90 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2020. وهناك أكثر من 2.5 مليار لعبة فيديو من جميع أنحاء العالم.

وتقدر قيمة سوق استهلاك ألعاب الفيديو المنزلية بنحو 26.7 مليار دولار عام 2018، ويوضح شكل رقم (1) تطور سوق ألعاب الفيديو المنزلية خلال الفترة (2013 -2018).



Source: Capcom, International Development Group.

يتبين من الشكل السابق أن سوق ألعاب الفيديو المنزلية قد ارتفع من 23.7 مليار دولار عام 2013 إلى 26.7 مليار دولار عام 2018، كما تباينت نسبة المحتوى القابل للتنزيل (الألعاب التي يتم تحميلها سواء مجانًا أو بمقابل) ونسبة حزم البرامج (التي يتم شراؤها على أسطوانات) على مرّ السنوات؛ فقد ارتفعت نسبة الألعاب المحملة من 31.2% عام 2013 إلى 54.7% عام 2018 مقابل انخفاض نسبة برامج الألعاب.

ويبلغ عدد لاعبي ألعاب الفيديو 2.34 مليار لاعب على مستوى العالم عام 2018، ويتوقع أن يصل العدد إلى 2.72 مليار عام 2021.

وتنقسم ألعاب الفيديو حسب الأجهزة أو المنصات المستخدمة في اللعب إلى ألعاب الحاسب الشخصي وألعاب وحدة التحكم (البلاي ستيشن) وألعاب الهاتف المحمول والألعاب عبر الإنترنت والألعاب عبر التابلت وألعاب الهواتف الذكية.

وتعد الألعاب عبر الهواتف الذكية وألعاب وحدة التحكم هي الأكثر انتشارًا والأعلى أرباحًا كما يوضح شكل رقم (2)؛ حيث تستحوذ ألعاب الهواتف الذكية على 32% من الأرباح العالمية لألعاب الفيديو عام 2018 مع توقعات بارتفاع النسبة إلى 34% عام 2019، يليها ألعاب وحدة التحكم بنسبة 27% مع توقعات بانخفاضها إلى 26% عام 2019، ثم ألعاب الحاسب الشخصي بنسبة 25% وتوقعات بانخفاضها إلى 24% عام 2019.




Source: https://newzoo.com

ويوضح شكل رقم (3) إيرادات أكبر عشر شركات منتجة لألعاب الفيديو عام 2018. وتعد شركة تينسنت الصينية حاليًا أكبر شركة منتجة للألعاب في العالم بإيرادات بلغت 15.1 مليون دولار، تليها شركة سوني اليابانية.




Source: https://newzoo.com

تعد الصين أكبر سوق للألعاب في العالم؛ إذ تتصدر دول العالم من حيث الإيرادات الناتجة عن ألعاب الفيديو والتي وصلت إلى 34.4 مليون دولار أمريكي عام 2018، تليها الولايات المتحدة الأمريكية بإيرادات بلغت 31.53 مليون دولار، ثم اليابان بإيرادات بلغت 17.72 مليون دولار (شكل رقم 4).




ثانيًا- استغلال ألعاب الفيديو في غسيل الأموال:

يستخدم المحتالون التقنيات الحديثة في عملياتهم المشبوهة؛ حيث يتم القيام بنشاط متزايد لتحويل وإخفاء المكاسب المسروقة والأموال المكتسبة من الجرائم من خلال ألعاب الفيديو. وقد استغلت عصابات غسيل الأموال الثغرات الأمنية في بعض هذه الألعاب لسرقة بطاقات الائتمان، من جهة، وتبادل العملات الافتراضية داخل الألعاب لغسيل عائدات بطاقات الائتمان المسروقة، من جهة أخرى على النحو التالي:

1) بطاقات الائتمان المسروقة:

يقوم لصوص بطاقات الائتمان والقراصنة باستغلال التطبيقات المجانية لتشغيلها لغسيل مكاسبهم غير المشروعة عبر الاستيلاء على الحسابات الالكترونية للاعبين في ألعاب الفيديو عبر الإنترنت.

فقد كشف تقرير لشركة Kromtech الرائدة في مجال تطوير البرمجيات الدولية أنه من خلال بعض ألعاب الفيديو التي تستخدم قواعد بيانات مثل MongoDB، وقاعدة بيانات NoSQL تحوي ثغرات أمنية أدت إلى تعريض آلاف الحسابات للخطر؛ حيث يمكن لأي شخص الاتصال بخوادم هذه القواعد والاطلاع على بيانات حسابات المشتركين، ومن ثم سرقة بطاقات ائتمان اللاعبين وإعادة بيعها من خلال الفيسبوك([20]).

وأشار التقرير إلى أنه تمت معالجة أكثر من 20.000 بطاقة ائتمان مسروقة في شهر ونصف فقط (من نهاية أبريل 2018 إلى منتصف يونيو 2018). وأن لصوص بطاقات الائتمان قد استهدفوا حسابات مشتركي ثلاث ألعاب فيديو وهي: Clash of Clans وClash Royale وMarvel Contest of Champions.

وتستحوذ هذه الألعاب معًا على أكثر من 250 مليون مستخدم إجمالي، مما يدر ما يقرب من 330 مليون دولار أمريكي سنويًا. وتمتلك هذه الألعاب الثلاث أيضًا سوقًا نشطًا للغاية لجهات خارجية، تستخدم مواقع مثل g2g.com لشراء الموارد والألعاب وبيعها. كل هذا يجعلها خيارًا جيدًا لإخفاء الأموال المشبوهة والقيام بعمليات غسيل الأموال([21]).

وفي يوليو 2015، أعلن موقع Shodan الذي يعد أول محرك بحث عالمي للأجهزة المتصلة بالإنترنت أن عمليات المسح التي قام بها أحد الباحثين قد كشفت عن نحو 30000 قاعدة بيانات MongoDB مفتوحة متاحة للجمهور على شبكة الإنترنت([22]).

كما كشفت شركة Check Point Research لأمن الإنترنت في تقرير لها 16 يناير 2019 عن ثغرة أمنية في لعبة الفيديو الشهيرة على الإنترنت Fortnite والتي من شأنها السماح للجهات الفاعلة الخبيثة والقراصنة بالسيطرة على حسابات اللاعبين بنقرة زر واحدة دون الحاجة حتى لإدخال أي بيانات اعتماد لتسجيل الدخول.

وقد أكدت شركة Epic Games المنتجة للعبة Fortnite صحة ما ورد في التقرير، وذكرت تأكيدها على اللاعبين بضرورة حماية حساباتهم بعدم إعادة استخدام كلمات المرور واستخدام كلمات مرور قوية، وعدم مشاركة معلومات الحساب مع الآخرين([23]).

ولا تعد عمليات غسيل الأموال من خلال Apple AppStore أو Google Play فكرة جديدة؛ فقد تم القيام بها من قبل في عام 2011 حيث غمرت تطبيقات مشبوهة باهظة الثمن Apple App Store كان أكثرها من الصين، وتراوحت أسعار التطبيقات ما بين 50 إلى 100 دولار، ومن بين هذه التطبيقات على سبيل المثال تطبيق مشبوه باسم "LettersTeach" الذي كان مخصصًا لتعليم الأطفال الحروف الإنجليزية وبلغت تكلفته 78 دولارًا([24]).

ويعود السبب في ذلك إلى أن سوق تطبيقات Apple لا تتطلب سوى عنوان بريد إلكتروني وكلمة مرور وتاريخ الميلاد وثلاثة أسئلة أمان لإنشاء حساب؛ مما مكّن القراصنة من إنشاء آلاف الحسابات الوهمية ثم اختراق الحسابات الأخرى وسرقة بطاقات الائتمان وإعادة بيعها واستغلالها كأداة لغسيل الأموال([25]).

وأشارت تقارير لموقع "Mashable" المتخصص في أخبار التكنولوجيا أن عصابات غسيل الأموال تستغل مواقع التواصل الاجتماعي لغسيل الأموال المسروقة من بطاقات الائتمان الخاصة بمستخدمي ألعاب الفيديو، حيث يستخدم المحتالون بيانات هذه البطاقات لشراء خيارات إضافية داخل الألعاب ثم يتم إعادة بيع هذه الخيارات إلى أطراف ثالثة على الشبكات الاجتماعية، بما في ذلك الفيسبوك. وكانت معظم البيانات المسروقة خاصة بمستخدمين من إندونيسيا والسعودية والهند والكويت وموريتانيا([26]).

2) العملات الافتراضية:

تتضمن جميع ألعاب الفيديو عملات افتراضية خاصة بها يقوم من خلالها اللاعبون بشراء أسلحة أو أي خيارات إضافية، وقد وفرت هذه العملات فرصة جذابة على مدى سنوات لارتكاب جريمة غسيل الأموال. وكشف تقرير صادر عام 2013 لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة أن الألعاب عبر الإنترنت أصبحت أماكن شائعة بشكل متزايد للمجرمين "لتنظيف" أموالهم من خلال "فتح حسابات مختلفة عديدة على ألعاب مختلفة عبر الإنترنت لتحريك الأموال". وكانت أكثر الطرق شيوعًا هي تحويل العملة الافتراضية داخل اللعبة إلى محتالين آخرين في البلدان الأخرى، حيث يمكن بيعها من خلال مواقع الإنترنت المظلم أو حتى شبكة الإنترنت المفتوحة وكذلك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو استبدالها بعملة فيات Fiat أو النقود الإلزامية أو القانونية([27])، وهي "نقود غير قابلة للتحويل أو للاسترداد لا تستمد فائدتها من قيمتها الذاتية أو من ضمان -بحيث يمكن تحويلها إلى ذهب أو أية عملة أخرى- بل من أمر من الحكومة بقبولها كوسيلة للدفع"، واشتقت كلمة فيات من الأصل اللاتيني Fiat بمعني إلزامي([28]).

فقد ذكر تحقيق أجرته The Independent أن "V-bucks" وهي العملة الافتراضية داخل لعبة الفيديو الشهيرة Fortnite تُستخدم لغسيل عائدات بطاقات الائتمان المسروقة. وكشف التحقيق أن V-bucks تُباع مخفضة بكميات كبيرة بشكل مدهش على شبكة الإنترنت المظلمة - القسم الخفي نسبيًا من الإنترنت الذي لا يمكن الوصول إليه إلا باستخدام برامج خاصة- بل إن بعضها يباع أيضًا على شبكة الإنترنت المفتوحة، وإن كان ذلك على نطاق أصغر، من خلال الإعلان على منصات التواصل الاجتماعي المعروفة.

وفي شهر أبريل من عام 2017، استهلت شركة Bromium -وهي شركة ناشئة تعمل مع تقنية المحاكاة الافتراضية لمنع أو التقليل من التهديدات الأمنية لأجهزة الحاسب مثل الفيروسات والبرامج الضارة والبرامج الإعلانية- دراسة أكاديمية مستقلة في الاقتصاد الكلي لجرائم الإنترنت وكيفية قيام مجرمي الإنترنت بغسل "أرباح" المساعي الإجرامية واستثمارها، وسيتم تقديم النتائج الكاملة خلال عام 2019.

ومما ورد في هذه الدراسة أن المجرمين الالكترونيين يقضون وقتًا كبيرًا في تحويل الدخل المسروق أو المشبوه إلى العملة الافتراضية داخل ألعاب الفيديو التي تتضمن عناصر داخل اللعبة مثل الذهب، والتي يتم تحويلها بعد ذلك إلى عملة البيتكوين أو صور إلكترونية أخرى.

وذكرت النتائج الأولية لدراسة Bromium أن أكثر الألعاب التي يتم من خلالها تبادل الأموال المشبوهة ألعاب Minecraft، FIFA، World of Warcraft، Final Fantasy، Star Wars Online، وGTA 5، وذلك لكونها تتيح تفاعلات سرية مع لاعبين آخرين يسمحون بتداول العملات والسلع.

وأشار الدكتور مايك ماكجوير المحاضر في علم الإجرام في جامعة ساري، إنجلترا، والمشرف على هذه الدراسة إلى أن عملات الألعاب والعناصر التي يمكن تحويلها بسهولة ونقلها عبر الحدود توفر فرصة جذابة لمجرمي الإنترنت، وتنتشر هذه العمليات المشبوهة بشكل خاص في بلدان مثل كوريا الجنوبية والصين؛ حيث اعتقلت الشرطة الكورية الجنوبية عصابة نقلت 38 مليون دولار تم غسلها في ألعاب الفيديو ونقلها إلى الصين من خلال العملات المشفرة([29]).

ولا يقوم المحتالون باستخدام التشفير بإجراء المعاملات كلها في نفس الوقت، بل تتضمن أنشطتهم غالبًا استخدام تقنيات "غسيل الأموال الصغيرة"؛ حيث يتم إجراء مدفوعات صغيرة ومتعددة. ومن بين أنظمة الدفع الرقمية التي استخدمها مجرمو الإنترنت لغسيل أموال ألعاب الفيديو خدمة PayPal.

ويعمد بعض المجرمين إلى عملات افتراضية أقل شهرة من البيتكوين مثل Monero؛ ويعود ذلك إلى حد كبير إلى أن هذه التشفيرات توفر المزيد من إخفاء الهوية وتزيد من صعوبة تتبع هذه العمليات. كما يلجأ البعض إلى بيع الحسابات المسروقة والتي تحتوي على آلاف وملايين الــ V-Bucks، إما على شبكة الإنترنت المظلمة أو عبر سوق على الإنترنت مثل eBay بسعر مخفض.

تشير التقديرات إلى أن الأموال التي يجنيها مجرمو الإنترنت من أنشطتهم غير القانونية تشكل 8٪ إلى 10٪ من إجمالي الأرباح غير القانونية التي يتم غسيلها على مستوى العالم، والذي يصل إلى حوالي 80 مليار دولار إلى 200 مليار دولار في السنة([30]).

كشف البحث الذي أجرته شركة Sixgill للأمن الإلكتروني، عن حجم عمليات غسيل الأموال، أن لعبة Fortnite مع أكثر من 200 مليون لاعب في جميع أنحاء العالم، حققت أرباحًا بقيمة 3 مليارات دولار (2.3 مليار جنيه إسترليني) في عام 2018. ومن غير الواضح مقدار الأرباح التي تمكن المجرمون من تحقيقها من خلال غسيل الأموال، وعلى الرغم من ذلك فقد وجدت Sixgill أن عناصر Fortnite حققت أكثر من 250.000 دولار على موقع eBay خلال 60 يومًا في عام 2018. كما ذكرت أن عدد مرات ذكر Fortnite على الشبكة المظلمة للإنترنت قد ارتفع تزامنًا مع زيادة إيرادات اللعبة الشهرية.

كما وجد بحث منفصل أجرته شركة أمن تكنولوجيا المعلومات Zerofox 53000 حالة مختلفة من عمليات الاحتيال عبر الإنترنت المتعلقة بـ Fortnite بين أوائل سبتمبر وأوائل أكتوبر 2018، وتمت مشاركة 86% من حوادث الاحتيال عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل Facebook، Instagram، Twitter([31]).

في مواجهة هذه العمليات الإجرامية تنامى حجم سوق برامج مكافحة غسيل الأموال في جميع أنحاء العالم منذ عام 2016، ويوضح شكل رقم (5) حجم السوق العالمي لبرامج مكافحة غسيل الأموال حيث يتوقع أن يصل حجم هذا السوق إلى 1.4 مليار دولار عام 2023، من بينهم 980.5 مليون دولار للبرامج المثبتة على الأجهزة (on-premise)، و467.2 مليون دولار للبرامج السحابية (Cloud). ومع ذلك لا تزال كل هذه المحاولات قاصرة عن القضاء على غسيل الأموال الرقمي.



 


خاتمة

تمثل الأساليب الرقمية الحديثة لغسيل الأموال تحديًا كبيرًا أمام التشريعات الوطنية والدولية لصعوبة تعقب هذه العمليات، ومع ذلك فإن العديد من التقنيات الحديثة الناشئة يمكنها أن تسهم في محاربة غسيل الأموال الرقمي كأساليب الذكاء الصناعي.

ونظرًا لما يشكله تعدد وتباين التشريعات المتعلقة بمحاربة غسيل الأموال بين الدول فإنه من الأهمية بمكان التوافق على تشريع عالمي موحد تصادق عليه دول العالم أجمع على أن يتضمن مؤشرات التعرف على أساليب غسيل الأموال الرقمية وكيفية مواجهتها.

كما ينبغي تعاون الدول معًا لمحاربة الإنترنت المظلم، وإلزام شركات الألعاب بالقضاء على الثغرات الأمنية التي يستغلها المحتالون. ويمثل الإسراع في إنتاج برمجيات للكشف عن عمليات الاحتيال الرقمي والقضاء عليها فرصة كبيرة لمواجهة غسيل الأموال الرقمي.


 

([1]) Council of Europe, MONEYVAL Committee of Experts on the Evaluation of Anti-Money Laundering Measures and the Financing of Terrorism ANNUAL REPORT 2017 (France : Council of Europe, May 2018) p.11, on link: https://rm.coe.int/moneyval-annual-report-2017-eng/16808af3c2

([2]) كلارا فالتر، تقى هلال، ألعاب الإنترنت وسيلة لغسيل أموال المافيا، دويتشة فيله، 2013.

([3]) "money laundering". Oxford English Dictionary, https://en.oxforddictionaries.com/definition/money_laundering

([4]) البنك الدولي، دليل استرشادي بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الإصدار الثاني (القاهرة: مركز معلومات قراء الشرق الأوسط -ميريك، 2006) ص 24-25، على الرابط:

([5]) علواش فريد، جريمة غسيل الأموال دراسة مقارنة، رسالة دكتوراة غير منشورة (الجزائر: جامعة محمد خيضر بسكرة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2009) ص 38-48.

([6]) Michael Levi, Internet Gaming: The Money Laundering Risks, Responsible Gaming Day, European Parliament, 2009,

https://www.responsiblegamingday.eu/downloads/2009/presentations/P1_Prof_Michael_Levi.ppt

([7]) البنك الدولي، مرجع سابق ص 41.

([8]) نفس المرجع، ص 45.

([9]) هيثم عبد الرحمن البقلي،‎ غسيل الأموال كإحدى صور الجريمة المنظمة: بين الشريعة والقانون المقارن (القاهرة: دار العلوم، 2010) ص 85-91


([10]) علواش فريد، مرجع سابق، ص 25-26.

([11]) Mike McGuire, Into the Web of Profit An in-depth study of cybercrime, criminals and money (California: Bromium, Inc, 2018) p.82.

([12]) Ron Teicher, Transaction Laundering - Money Laundering Goes Electronic in the 21st Century (London: Finextra Research, 04 June 2018), https://www.finextra.com/blogposting/15423/transaction-laundering---money-laundering-goes-electronic-in-the-21st-century

([13]) Idem.

([14]) Mike McGuire, Op.cit, p.83.

([16]) Mike McGuire, Op.cit, p.89.

([17]) Idem, p.97.

([18]) كلارا فالتر، تقى هلال، مرجع سابق.

([19]) Raj Samani, Jackpot! Money Laundering Through Online Gambling, White Paper, (Santa Clara: McAfee Labs, 2014) p8.

([20]) Kromtech Security Center, How long does it take for a MongoDB to be compromised, 2018-03-22, https://kromtech.com/blog/security-center/how-long-does-it-take-for-a-mongodb-to-be-compromised?

([21]) Kromtech Security Center, Digital Laundry: how credit card thieves use free-to-play apps to launder their ill-gotten gains, 2018-07-16, https://kromtech.com/blog/security-center/digital-laundry

([23]) JACK MORSE , 'Fortnite' vulnerability put millions of accounts at risk, https://me.mashable.com/tech/1745/fortnite-vulnerability-put-millions-of-accounts-at-risk

([25]) Idem.

([26]) المعتز بالله رمضاني، هكذا يتم غسيل الاموال عن طريق ألعاب الفيديو، شبكة حياة الاجتماعية، 10/8/2018، http://www.hayatweb.com/article/232496

([29]) Jennifer Carole, Laundering Via In-Game Currency and Goods is on the Rise, Part 2, 20/3/2018, https://www.bromium.com/laundering-via-gaming-currency-and-goods-part-2/

([30]) Tedra DeSue, Money Laundering and Gaming Fitting Together in World of Cryptos, 20/3/2018, https://cryptovest.com/news/money-laundering-and-gaming-fitting-together-in-world-of-cryptos/

([31]) Anthony Cuthbertson, How children playing Fortnite are helping to fuel organised crime, The Independent, 13/1/2019,


 

Comentarios


bottom of page